عن أبي مسلم الخولاني عن أبي ذر عن النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما روي عن الله تبارك وتعالى أنه قال " ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ... ياعبادي كلكم ضالٌ إلا مَن هديته فاستهدوني أهدكم ... ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ... ياعبادي كلكم عار ٍ إلا مَن كسوته فاستكسوني أكسكم ... يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ... ياعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ... ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ... ياعبادي لو أن أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ... يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا اُدخل في البحر ... يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " صحيح الإمام مسلم
إنه من أحاديث ترقيق القلوب والأخذ بها لله سبحانه وتعالى .. وكان راويه – أبو مسلم الخولاني – إذا قرأه جثا على ركبتيه نظرا لشدة هذا الحديث على النفوس المؤمنة التي تتعطش لمثل هذه الكلمات ياللا بقى نفهم معاني الحديث الشريف
" يا عبادي " منذ الوهلة الأولى يتحبب الله جل وعلا إلى خلقه فيناديهم بالنداء الأشرف لكل مخلوق والذى سمى به نبيه في أشرف المواضع " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .." الإسراء 1 و " وأنه لما قام عبد الله ..." الجن 19
" إني حرمت الظلم على نفسي " والتحريم هو المنع فتقدس الله وتعالى الذي جعل الظلم محالا في حقه " وما ربك بظلام للعبيد " فصلت 46 و " إن الله لايظلم الناس شيئا " يونس 44 ولو حتى كان صغيرا " إن الله لا يظلم مثقال ذرة " النساء 44
والظلم له معان كثيرة منها – وضع الأشياء في غير موضعها – أو التصرف في ملك الغير دون إذنه – أو معاقبة الإنسان بذنوب غيره – أو مجاوزة الحد والله خلق كل شيء بقدر والأمور كلها بيده فلا ملك لغيره ولا تزر وازرة وزر أخرى فلا يحق الظلم بأي حال من الأحوال في حقه تعالى
" فلا تظالموا " نص صريح لتحريم الظلم فلا تستحل ما حرمه الله تعالى على ذاته العلية ودوواوين الظلم ثلاثة
- ديوان لا يغفره الله تعالى وهو الشرك " إن الله لا يغفر أن يُشرك به " النساء 48 والشرك ظلم لقوله تعالى " والكافرون هم الظالمون " البقرة 254
- ديوان لا يعبأ الله به وهو ظلم العبد لنفسه بأن ينام قليلا أو يترك حقا له عند الناس
- ديوان لا يترك الله منه شيئا وهو ظلم العباد لبعضهم وهو الأهم هنا لذا حذر النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – قائلا " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " متفق عليه والتقوى سبب نور المؤمنين في الآخرة أما الظالم فأنى له النور وهو لم يتق الله
موقف الإسلام من الظلم والظالمين
أصل المسلم ألا يظلم ولا يُظلم " لا تظلمون ولا تُظلمون " البقرة 279 وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – " المسلم أخو المسلم لا يظلمه " متفق عليه
وقد توعد الله الظالمين بالعذاب في الدنيا والآخرة ومنه
1- دخول الظالم تحت لعنة الله " ألا لعنة الله على الظالمين " هود 18
2- العذاب يوم القيامة " وقد خاب من حمل ظلما "طه 111
3- جعلهم الله تحت رقابته وعينه " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون " إبراهيم 42
4- وخلع قلوبهم " مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " إبراهيم 43
5- توعدهم بالعذاب الكبير " ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا " الفرقان 19
6- جعلهم يتمنون العودة من شدة العذاب " وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل " الشورى 44
7- وتوعدهم بالعذاب الأليم وعدم الإفلات منه " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " هود 102
وجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – الظالمين مفلسين فهم يظلمون الناس ويردون مظالمهم يوم القيامة من حسناتهم ويحملون من أوزار مَن ظلموهم ولا ظلم يوم القيامة فلن يدخل الجنة ظالم حتى تُقاصّ المظالم وليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب
" ياعبادي كلكم ضالٌ إلا مَن هديته فاستهدوني أهدكم ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ياعبادي كلكم عار ٍ إلا مَن كسوته فاسكتكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم "
دعوة للإعتصام بالله والإفتقار واللجوء إليه فهو الهادي والملاذ والمعاذ وهو الخالق الرازق " وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " هود 47 .. " الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون " الروم 40
والله قال لنبيه " ووجدك ضالا فهدى " الضحى 7 وقال أيضا " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا " الشورى 52 " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " محمد 19
وكذلك طلب الرزق والسترة فكل ذلك من الله
" ياعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " فكلنا لله فقراء لذا قال سبحانه " إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد " إبراهيم 8 وقال " وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا " النساء 131 .. " وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها " متفق عليه
" ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ياعبادي لو أن أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا " فالله سبحانه لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا ولكن " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " الحج 32 لذا فأعظم الناس قدرا عند الله هم أصحاب القلوب الحية التقية " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " الحجرات 13
" يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا اُدخل في البحر " وهذا من كرمه سبحانه وكثرة عطائه " ما عنكم ينفد وما عند الله باق " النحل 96 وكيف ينفد ما عنده سبحانه " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " يس 82 وهو سبحانه " خير الرازقين " المائدة 114 .. والمثال هنا للتقريب فغاية القلة والصغر في الإبرة لا يتعلق بها شيء من البحر - أعظم ما ترى العين – وله المثل الأعلى فرزقه كالبحر وكل ما يطلبه المخلوقات إبرة وضعت في بحر الرزق واُخرجت
" يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " وهكذا " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " الزلزلة 7 – 8 " ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " الكهف 49 .. ولأن الهداية من الله والتوفيق للطاعات من الله " ما أصابك من حسنة فمن الله " النساء 79 " الحمد لله للذي هدانا لهذا وما كنا لنتهتدي لولا أن هدانا الله " الأعراف 43 ... " وما أصابك من سيئة فمن نفسك " النساء 79 فكل سيلوم نفسه ويندم أنه لم يزد في إحسانه إن كان محسنا أو يندم على إساءته إن كان مسيئا ...
لذا فلا ترجون إلا ربك .. ولا تخافن إلا ذنبك
.
الأحد يناير 25, 2009 2:33 am
